أخبار أدبية

كتب الدكتور جبار خماط حسن حلاق القطاع

كتب الدكتور جبار خماط حسن حلاق القطاع

554 مشاهدة

كتب الدكتور جبار خماط حسن حلاق القطاع

#مدينتي

#حلاق_القطاع

#الشيوعي

لم يكن في قطاعنا سوى حلاق واحد، يعرفه الجميع، اولا لابتسامته التي لا تفارق وجهه المرتوي بالعافية، وثانيا أنه يحلق شعر الزبون، ولا ينتظر مالا مقابل خدمة الحلاقة، يأخذ اي شيء يأتي به الزبون، مثلا بائع البطيخ مقابل بطيخة، أو كيلو سكر أو نصف طبقة بيض، حسب المهنة، كنت ادخل الى محل حلاقته، وكانه سوبر ماركت، تعرف كم زبون دخل محله من المواد الملقاة على زاوية المحل، خائفا وجلا، لا أتذكر منه فقط، خدوده المتوردة، يتوسط خده الايمن شامة كبيرة ؛ تمثل علامة فارقة، حتى إن الكثير يقولون، عبد الرضا الحلاق ايو شامة، بعرف جميع الصبية بأسماء ابائهم، كنت حينها في الخامس او السادس الابتدائي، اجلس على قنفته الوحيدة منتظرا دوري، اقلب المجلات، تبهرني صور نجوم السينما العالمية، كانت بالأسود والأبيض، كان يحلق ويتكلم، ها عمي جبار شلون ابوك، أجيبه الحمد لله، شلونك بالدراسة، الحمد لله عمي، صوت مقصه الحاد يزعجني لأنه، يحركه برتابة، يكلم الزبون عن فلسطين واحمد حسن البكر، والسيارات التي أهداها لكفاءات العراق، وما انتهى من حلاقة الزبون حتى توقف، جلس متأملا الشارع، كان الأذان يردد الله اكبر، من جامع العباس الذي يواجه محله حلافته؛ لا يصلي، ولا أعرف لماذا يتوقف عن الحلاقة أثناء الاذان، ربما كان يعجبه صوت المؤذن، ربما !!

وانا اكتب عن عبد الرضا والأذان، تذكرت حين كنت ضيفا على الفجيرة في 2007، ومهرجان المونودراما، انتهى المهرجان مع عيد الأضحى، ولم يكن ثمة حجز للعودة، اقترحت على إدارة المهرجان، ان نعود إلى بلدي بحرا، نقطع الخليج العربي حتى نصل الى البصرة، كان القبطان يردد، على ركاب السفينة التوجه إلى الأعلى لرؤية الدلافين المرحبة بنا، بالضبط تخرج من بداية اذان الظهر وتبقي ترقص بتشكيلات جميلة وكأنها ترحب بنا، ومع نهاية الأذان، تبتعد وتختفي، هكذا قال القبطان، هذه الدلافين يوميا تخرج في هذا الوقت ثم تختفي!

 إذن ما يربط عبد الرضا والدلافين هو صوت الأذان، الذي مع توقفه ؛ ينهض حلاقنا ابو شامة، يالله عمو اصعد، كنت أراه في المرآة حزينا، مرة سمعت والدي يقول بسبب موت زوجته بعد انتظرها طويلا من دون امل ان تكون حاملا، ماتت حزينة؛ ولأنه يعشقها قرر عدم الزواج مرة أخرى، يردد عبد الرضا حين يرانا نلعب الكره، كلكم اولادي، يقص شعري على أنغام فريد الاطرش الذي يبدو كان يحب سماعه، انهى حلاقتي، ومثل كل مرة لا يأخذ نقودا، يأخذ منى الجكاير وهو يضحك، ادري حسابهم، كل مرة خمس جكاير، يالله عمي انزل ، سلملي على ابوك، ينكت رقبتى بفرشاة ناعمة، ويضع كالونيا لاذعة، اخرج من محله، وعلى راسي حرارة الشمس تلسعني، التفت الى الوراء، اجده ينكت شرشف الحلاقة من الشعر، ثم يضعه على الحمالة ، ارجع الي بتنا ، وصور نجوم المشاهير تتجول في راسي، اجد أمي تنتظرني، طشت النحاس وصابون اسفنيك، بارد هو الماء ينزل على جسدي، وسط كلمات أمي والحاحها على نظافة الرقبة واليدين ،!

مرت الايام، ولم يعد عيد الرضا في محله، اراه مغلقا، ولا أعرف السبب، اين اذهب ؟

 أين اجد تلك المجلات التي اقلبها ؟

أين اسمع تلك الحكايات والكلام الجميل الذي يسرده على زبائنه !

طلع شيوعي، هذا ما كنت اسمعه، ولا أعرف حينها ماذا تعني تلك الكلمة؟ اعتقلوه، في صباح يوم قائض، ولم يعد، كنا نسمع امه بتشنج الأم الثكلى تبكي حلاق قطاعنا البهي ، كبرت وانا احب سماع فريد الاطرش ، وعوده الرنان العذب ؛تمر الفصول بإيقاعها المختلف على أنغام صوته الشجي، في أغنيته الربيع، وما زال عبد الرضا لم يعد لفتح دكانه المواجه لجامع العباس !

وما زالت صديرته البيضاء تنتظره، مثل حماماته وهديلها على عشها المبنى في زاوية محله البارد رغم حرارة الصيف اللاهبة!