أخبار أدبية

مدينة أصيلة المغربية تحتفي بمحمد أنقار ناقدا وروائيا وإنسانا

مدينة أصيلة المغربية تحتفي بمحمد أنقار ناقدا وروائيا وإنسانا

1686 مشاهدة

 

مدينة أصيلة المغربية

تحتفي بمحمد أنقار ناقدا وروائيا وإنسانا.

 

نظمت مؤسسة منتدى أصيلة في إطار برنامجها الثقافي والفني لموسم 2009-2010 لقاء تكريميا للروائي والناقد المغربي "محمد أنقار" مساء يوم السبت 3 أبريل 2010 بمشاركة نخبة من الأكاديميين والمثقفين.

وقد افتتحت فعاليات هذا اللقاء التكريمي حول التجربة الإبداعية والنقدية للأستاذ "محمد أنقار"، مبدعا وناقدا وإنسانا بكلمة الكاتبة العامة لمنتدى أصيلة الشاعرة "إكرام عبدي" التي استحضرت السياق العام للاحتفاء بأحد أعلام الثقافة المغربية، وما تميزت به مسيرته النقدية والإبداعية في قلب ربيعي مزهر، وتحت سماء "أصيلة" التواقة للاحتفاء بالفكر والإبداع.

وفي نفس السياق اعتبر الأستاذ "محمد بنعيسى" الأمين العام لمنتدى "أصيلة" أن "محمد أنقار" يمثل تجربة أصيلة ممتدة في زمنها الإبداعي، والاحتفاء "بمحمد أنقار" هو احتفاء بأحد رموز الثقافة المغربية التي ساهمت في إغناء المكتبة المغربية والعربية بمصنفات متعددة على مستوى القراءة والتلقي، مما يعكس المكانة الأدبية الرفيعة التي تحتلها تجربة "محمد أنقار" صاحب التفكير والتأمل العميق.

1- تطوان المصرية ونجيب محفوظ المغربي

المداخلة النقدية الأولى كانت للناقد الدكتور "نجيب العوفي" الذي استحضر المشترك (الجيلي) الرابط بينه وبين المحتفى به، مركزا حديثه حول "محمد أنقار" الروائي انطلاقا من رائعته "المصري" الصادرة في طبعتين الأولى عن دار "الهلال المصرية"، والثانية عن منشورات "الزمن المغربية".

 وقد حملت مداخلة "نجيب العوفي" التي وسمها ب: تطوان المصرية، و"نجيب محفوظ" "المغربي" من خلال رواية "المصري" "لمحمد أنقار"، تجليات المكان (تطوان) في هذا العمل الروائي، فتطوان تحضر في إبداعات صاحب "المصري" تماما كما تحضر القاهرة لدى "نجيب محفوظ"، وكأن الكاتب يعقد توأمة إبداعية بين "الساحلي" و "نجيب محفوظ". المتكلم السارد في الرواية هو "أحمد الساحلي" الشخصية الروائية بامتياز، أب لثلاثة أولاد، يحيى حياة تطوانية، وكأنها خارجة من عوالم "نجيب محفوظ" وشخصياته العجيبة كما يخرج الخبز من الفرن، والرواية هي مرثية للعمر الجميل حسب تعبير  الشاعر "عبد المعطي حجازي". و"المصري" هي رواية في مديح عشق "تطوان" وأزقتها وزمنها الجميل، وهي تجسد جدلية الشيخ والمريد لأنها تستحضر "المصري" في "المغربي"، أي أنها رواية في رواية أو ميتا رواية. وهي ذات مرجعية سياحية بصرية واستبصارية، واستحضار لشخصيات "تطوانية". إن "محمد أنقار" "المغربي" استثمر عجز الساحلي فكتب رواية وصفية عن "تطوان"، وقام بصلاة خاشعة في محراب  "نجيب محفوظ" وذلك هو المكر الجميل.

2- محمد أنقار الباحث والإنسان.

 

الدكتور "مصطفى يعلى" قدم شهادة في حق المحتفى به من خلال مفاتيح الذاتي/الموضوعي، البحثي / الإنساني. وأمام تداخل كمّ المعلومات والتفاصيل المختلفة وغزارتها حصر "مصطفى يعلى" شهادته  عن صديقه "محمد أنقار" في ثلاث محطات أساسية من عمر هذه الصداقة الحميمية المتشعبة والمتماسكة، ومحاولة الإطلال من خلالها على البعدين البحثي والإنساني المتداخلين في شخصيته.

المحطة الأولى:

تشمل النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي. وهي مرحلة الدراسة الجامعية في "ظهر المهراز بفاس".

وفي هذه المحطة كانت العلاقة مع "محمد أنقار" علاقة زمالة، تقتصر على تبادل التحية، أو الجلوس مع بعض الأصدقاء أحيانا في مقصف الحي الجامعي بعد تناول طعام الغداء والعشاء، أو الالتقاء العابر في ردهات الكلية وقاعة المكتبة.

وقد لفت نظره كونه كان أميل إلى العزلة عكس صديقيه المرافقين له في أغلب الأوقات: "محمد بوخزار" و "إبراهيم الخطيب".

 أما المحطة الثانية:

فتبدأ منذ سنة 1978. حيث عين "مصطفى يعلى" بثانوية واحدة بجوار صديقه "أنقار" بمدينة "القنيطرة" حيث تمتنت صداقة نموذجية نادرة، لا يزال عنفوانها مستمرا حتى الآن، بين زملاء في العمل يشتركون في قيم الصدق والوفاء والإيثار والشعور بالمسؤولية، وفي حب الأدب والفن والإبداع، ويتقاربون في التفكير والذوق ووجهات النظر؛ هم:

"محمد أنقار، ومحمد السولامي، ومحمد دامون، ومصطفى يعلى" الذي اعتبر أن ما يهم في هذه المحطة بالنسبة لصفتي الباحث والإنسان في شخصية "محمد أنقار"، هو صورة الجدية المفرطة، التي كان ولا يزال يلتزم بها خلال استغراقه في البحث والإبداع.

 أما المحطة الثالثة:

 فتمتد من أواسط سبعينيات القرن العشرين حتى راهن زمننا. وهي مرحلة تضاعف خلالها الجد والمثابرة لدى "محمد أنقار". وبهذا زال الغبش عن الفكرة الهلامية المتعلقة بطموحه للعمل بالجامعة، حيث حرية البحث ونجاعة التأطير واتساع هامش الإضافة. واختتم "مصطفى يعلى" شهادته بتأكيد قيمة اعتبارية لا تتوفر للباحث الحق إلا إذا جمع بين الإخلاص للبحث بشروط الصدق والأمانة والصبر والمثابرة، وبين التواضع ونكران الذات والتواصل الإنساني. وتلك مواصفات تمثلت بصورة نموذجية في شخصية الدكتور "محمد أنقار".

3- البلاغة والجمالية الروائية

اختار الدكتور "عبد الرحيم جيران" عنوان "البلاغة والجمالية الروائية" مدخلا لمقاربته النقدية التي اتسمت برؤية "ابستمولوجية" تتوخى تفكيك رواية "المصري"  وربطها "بإبستيمي" المتن الروائي العالمي، مركزا على مفاهيم من أطروحته النظرية (التضافرالتجديلي، الميلان، التصادي النصي، الكل الجمالي، الفعالية النصية..)، معتبراً أن الكتابة في رواية "المصري" هي لمقاومة الزوال والتلاشي. ولذلك تتراءى المدينة وحدها في هيئة ممكنٍ لاستشعار بداية جهد الكتابة بوصفها مدخلا إلى زمن الكمال. لقد مارست رواية "المصري" على قارئها مكرا جميلا يعد بمثابة فضيلتها الجمالية التي قلما تتوفر لنصوص روائية أخرى. ويتمثل هذا المكر في تمويه مخادع مارسه الكاتب على المتلقي عن قصد وسابق إصرار، وهو يخفي فعله هذا محاولا إخفاء كل أثر دال عليه. وكأن الراوية تمتلك وجهين: أحدهما ظاهر بادي للعيان مغري يقود القارئ نحو وجهة وحيدة تسقطه في حبائلها من دون تنبه إلى ما تخفيه من تضليل، وفي نصه الروائي لم يستهدف أبدا محاكاة نص سابق على نحو ساخر، وإن كانت رواية "المصري" تتقاطع مع نصوص سردية عدة –يضيف صاحب إدانة الأدب- إما إعجابا (دون كيشوت)، أو تحويرا في بنية موضوعة مشتركة بينها (الموت مثلا). بيد أنها لم تتخذ من أحدها أنموذجا بقصد محاكاته على نحو ساخر. يقوم التعريض الساخر في رواية "المصري" على استهداف فعل المحاكاة ذاته، أي جهد الكتابة الذي يستهدف بالدرجة الأولى محاكاة "نجيب محفوظ" واتخاذه نموذجا مبهرا في صناعة الرواية. فالمقروء الروائي المسبوك انطلاقا من نماذج "محفوظية" حاضر بكل قوة، ويكاد يكون محددا على نحو مهووس رؤيةَ "أحمد الساحلي" البصرية ونزوعاته في التعامل مع العالم، لكن هذا المقروء يتعرض من قبل كلمة الكاتب، ومعه النزوع المشرقي بعامة، إلى نوع خفي من التعريض الساخر. واعتبر  الدكتور "عبد الرحيم جيران" أن هذه الأفكار حول رواية "المصري" للروائي "محمد أنقار" لا تمثل سوى مقاربة بسيطة لعمل روائي جدير بالاحترام النقدي .

4- أشواق الذات وسلطة الواقع

الدكتور "مصطفى الورياغلي العبدلاوي" عنون مداخلته النقدية  " أشواق الذات وسلطة الواقع، قراءة في إبداع محمد أنقار الروائي". منطلقا من تعريف "هيجل" للرواية باعتبارها ملحمة العالم البورجوازي. ومعتبرا أن المتأمل في روايتي "محمد أنقار" "المصري" و"باريو مالقا" يدرك من القراءة الأولى أنه أمام روايتين متباينتين في بنائهما وفي رؤيتهما للإنسان والعالم، أو لنقل لعلاقة الإنسان بالعالم، تلك العلاقة التي كانت، ولا تزال، تشكل موضوع بحث الإبداع الروائي الإنساني وتصويره. تبدو علاقة الإنسان بالواقع في رواية "المصري" مبنية على سخرية وجودية عميقة؛ تلك السخرية الفلسفية التي يصل إليها الإنسان الحكيم عندما يدرك الهوة الكبيرة التي تفصل بين الواقع والحلم، بين القيم الإنسانية الأصيلة التي يحملها وبين رداءة قيم الواقع وماديتها. إن مقارنة سريعة بين الرؤيتين اللتين تصدر عنهما الروايتان وتفرزانهما في آن، تُبيِّن أن رواية "باريو مالقا" تصدر عن رؤية تؤمن بالمستقبل وبقدرة الذات على تحقيق آمالها وأشواقها مهما كانت عوائق الواقع وسلطته. وتذكرنا روحها الشبابية المتفائلة برائعة الكاتب الروسي "تولستوي" "الحرب والسلم" التي تسودها روح أشواق الشباب المتطلع إلى المستقبل بخطوات أكيدة على الرغم من مشاكل المجتمع ومآسي الحرب. أما رواية "المصري" فتبدو رؤيتها أكثر تقدماً في السن وكأنها صادرة عن حكمة شيخ عرك الحياة وعركته، وتكسرت نصال أوهامه على نصال آماله، فعلم أن الذات في هذا العالم لا تدرك أشواقها، ولا يأتمر الواقع بما تحمله من قيم مهما كانت أصالتها ومثاليتها. لقد اختفت يقينيات فورة الشباب لتترك المكان لنسبية الحكمة التي تزن الأمور برؤية لا تلغي أشواق الذات، لكنها تعترف بسلطة الواقع وبقدرته على الحد من تلك الأشواق، ما دامت أشواقاً ذاتيةً فرديةً يغلب عليها الطابع الرومانسي الحالم، دون اعتبار لسلطة  الواقع وسطوته.

4- ألم الصورة ووهج الإبداع.

 

اختار الشاعر والباحث "محمد العناز" في شهادته حول تجربة المحتفى به عنوان" ألم الصورة، ووهج الإبداع، محمد أنقار المسار المزدَوج". معتبراً أن العصر الذي يحكمنا هو عصر الصورة، وفي الوقت الذي غدا فيه العالم قرية صغيرة تمكنت الصورة عبر وسائل "الميديا" من السيطرة على العالم عبر التسطيح والتعميم، وغدا الإنسان مستهلكا لهذه الصور الزائفة دون تفكير أو تأمل وهو ما عبر عنه الفيلسوف "جيل دولوز" في كتابه " الصورة" و "بيير بورديو" في حديثه عن الصورة الإعلامية، و "جان بودريار" في حديثه عن الصور المنتجة للأخيلة المضللة. وتساءل "محمد العناز" قائلا: «ما الذي كان سيقوله صاحب القطيعة الإبستمولوجية عن زمن الصورة لو كان بيننا؟ هذا السؤال المحرج نجد جوابه لدى رجل اختار أن ينقل الاهتمام بفتنة الصورة من مجال الصورة الفوتوغرافية والسينمائية والتشكيلية البصرية إلى مجال الصورة السردية. غواية الصورة الروائية تطلبت من محمد أنقار أكثر من نصف العمر وفاء وإخلاصا لهذا الاجتهاد النقدي، والاشتغال الرصين على نماذج روائية متعددة لا تستجيب لمعيار الصورة بشكل انعكاسي ومحاكاتي، بل تنتج عن طواعية صورها الخاصة لتكشف بعد جهد مضن معيارية هذه الآلية التحليلية ونجاعة الصورة السردية، وقدرتها على كشف الطاقة البلاغية والتعبيرية والعوالم التخييلية ومكوناتها السردية».

 وأكد صاحب "خطوط الفراشات" أن الصورة في الشعر تقوم على عدد من الومضات التصويرية المتفرقة بين أبيات القصيدة بينما تقوم الصورة في الرواية على نوع من التصوير الممتد عبر لحظات متتابعة.

5ا- لكتابة مع الآخرين

وكان مسك الختام شهادة فاتنة وعميقة قدمها المحتفى به وعنونها " الكتابة مع الآخرين منطلقا من فرضية مفادها أن أنسب طريقة للحديث عن النفس أن يتكلم المرء عن ذاته من خلال الآخرين، أو وهو منصهر فيهم، أو وهو معهم".

إن الكاتب كائن اجتماعي بطبعه. والفكر والإبداع لا يزكوان إلا بالاحتكاك، والمشاركة، والحوار. مجالي النقد والإبداع. تتعلق الأولى بتجربة البحث في إشكال نقدي دقيق يمكن تسميته "الصورة الروائية" أو "الصورة في عموم السرد".حيث عمد "محمد أنقار" إلى إشراك طلبة شهادة استكمال الدروس بكلية الآداب "بتطوان" في مدارسة ذلك الإشكال النقدي الذي بدا لهم أول الأمر نشازاً مقارنة بما كان يروج في المغرب خلال تلك الفترة من مفاهيم وتصورات نقدية. ولم يكتف- يضيف صاحب "مؤنس العليل"- بطلبة شعبة اللغة العربية وإنما توخى توسيع الدائرة فأشرك  طلبة وأساتذة شعب أخرى كان يستدعيهم إلى محاضراته من أجل الاستماع إلى ملاحظاتهم حول هذا المعيار النقدي غير المألوف طلباً للاستفادة. ويعترف بأنه حققت بذلك غايته حيث استمعإ الى عشرات الملاحظات ما بين القابلة والرافضة، الصادرة من جهات شتى بما فيها الشعب "الإنكليزية"، و "الفرنسبة"، و "الإسپانية"، والتخصصاتُ "اللغوية"، و "اللسانية"، و "الفلسفية"، و "التاريخية".

وقد عرف هذا التصور حضورا لافتا في مختلف الأبحاث الجامعية والمجلات الثقافية المتخصصة والأدبية. أما فيما يخص مجال الإبداع فيمكن القول إن طبيعة التشارك قد تختلف في سماتها الظاهرة  وليس في جوهرها العميق. وتوضيح ذلك أني دخلت في حوار أو صراع أو جدل مع الآخر منذ أول قصة قصيرة نشرتها وأنا بعد شاب غرير. ويتعلق الأمر بنص "العزلة والشبح" الذي ظهر بتاريخ 25/26 سبتمبر من سنة 1966 بجريدة "العلم".ويعتبر "محمد أنقار" أن روايتيه "المصري" و"باريو مالقه" هما حصيلة تجربة طويلة في الاستماع إلى الناس البسطاء وتدوين حكاياتهم وأخبارهم طوال عقود. وأفترض أن هذه الخطة ستظهر بفعالية جلية في الرواية الأخيرة التي أشتغل بها حالياً المعنونة "شيخ الرماية" حيث تشكل الرواية الشفاهية سبيلاً سردياً مهيمناً. وبأسلوب مؤثر وعميق اختتم صاحب "ظمأ الروح " شهادته بقوله إن الصدق كما قال "نجيب محفوظ" "ليس إلا تأثراً بالخارج عن طريق التعلم، وبالداخل عن طريق المعاناة".

وقد سلم الأمين العام لمنتدى أصيلة في نهاية هذا الحفل التكريمي وبحضور نخبة من المبدعين والمثقفين  من مناطق مختلفة من المغرب لوحة من إنجاز منشورات مرايا وهدايا مختلفة.

 

عبد السلام دخان

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية