أخبار أدبية

مسرحية  كايميرا  مونودراما

مسرحية كايميرا مونودراما

664 مشاهدة

مسرحية  كايميرا  مونودراما ...

للكاتب المسرحي #عمار نعمة جابر - العراق

 #كايميرا ( chimera ):  حيوان اسطوري يوناني يتشكل جسده من أجساد ، اسد وماعز وأفعى ، في جسد واحد .

 

(عمود يتوسط مقدمة المسرح، باب وشباك معلقان، كبيران ومفتوحان، يمتدان من العمود الى الكواليس، باب وشباك يمين العمود، وباب وشباك شمال العمود، يشكلان رأس مثلث يغطي كامل الخشبة ..

امرأة في منتصف الثلاثينات من العمر، تقف خلف العمود في وسط المسرح، نشاهد ظلها يظهر مرة على اليمين، ويظهر مرة أخرى على الشمال )

 

المراة      : ( تتحدث وهي تختفي خلف العمود ) الشتاء لا يأتي بالبرد، بل حين ينزل البرد، يأتي الشتاء .. مايمكن ان نخاف منه، هو من يصنع الحدود لنا، والتي تحكمنا من الداخل، ومن الخارج .. فالشتاء مخيف ( تمد يدها من الشباك الشمالي، ويدها ترتدي ثوب اسود، وقفازين اسودين)  نهاره تتلبد بغيوم قاتلة، وليله طويل وموحش، تستعر عليك أظلاعك من شدة الصقيع، فتضعف، وتتكور .. وتلتف على روحك لتدفئها، ولكن هذا البرد قد حول العالم فيك، الى صندوق مغلق، مغلق جدا، مغلق من الجمود والانطواء، ومن السبات المميت .. ( تسحب يدها لتختفي ) أما الصيف فلذيذ كطعم الخوخ، ترف وناعم ( تمد قدمها ، فيظهر لنا فخذها العاري من الباب في الجهة الاخرى، يمين المسرح ) فالصيف يكون لاهبا، حارا، يكويك من الداخل بعنف، ترتجف معها اوصالك، فتنتشي حد الثمالة، وتتأوه من اعمق نقطة فيك .. فكما الشتاء هو جزءا مني، فالصيف اللاذع هو مذاق آخر، لمن يريد أن يتذوقني .. ( تحرك ساقها ) آهاتي لا يفهمها غيري حين ألتهب .. فأرقص بلا احتشام، أمام غرائز أشعلت عيون اصحابها  من وهج جسدي .. هذا اللهب الداخلي الذي يسكنني، يجعل كل داخلي يغلي، ويتقافز، ويتراقص، ويميل في كل الاتجاهات .. دون أن أكترث لكل هذه الارواح اللاهثة حولي ..

( تخفي قدمها العارية من اليمين، وتظهر يدها بكفها الاسود من الشمال )

المرأة       : كان شتائي الاسود، يمثل جزءا من داخلي، كنت أقترح أن أبدده بما يناسبه، وليس أنسب من النواعي لهذا السواد المبالغ فيه، النواعي على من ماتوا، وعلى من بقي من أهلهم ، فكنت ابكي بحرقة معهم .. فالنواعي أسلوبي في الوقوف في وجه كل هذا العالم الاسود الذي يعيش في داخلي، وكل هذا الصقيع الذي يغطي أجزاءا شاسعة مني، فما لهذا الشتاء الذي يجمد مشاعري، سوى أبيات من النعي المعتق، أنين من أعمق نقطة في روحي، بكاء بالكلمات، وبالفعل، فالنعي رشفة صبر، تمرق في قلبي لتعينه على احتمال الأسى، واحتمال هذي الحياة بكل تفاصيلها .. فحين أذهب نحو بيت العزاء، أصرخ في وجوه المعزيات، أصرخ من داخلي، أدفع بهن الى الحزن بجنون، فتهيج فيهن الدموع، وترتفع أكفهن بقوة لتلطم الصدور، ليوحدن نغمة النواعي، ويركبن معي نوتة الحزن، فتشتعل صورا كثيرة، تكون غاية في الالم حول من رحلوا، ومن قد يرحلون لاحقا .. في النعي يشتعل الشتاء الكئيب في روحي وفي كل قطعة من جسدي، فتتقاطر الابيات لاهبة، تشعل اجساد المعزيات، فيحدث أن يتقافزن في الملطم، وتدور اجسادهن المتألمة من ضرب الصدور والوجود بقوة، تدور في حلقة الملطم في كتلة واحدة، تفوح منها أصوات تشبه صرخات العواء الموجوع.

( تخفي يدها الظاهرة من الشباك، وتخرج المرأة من الباب بزيها المحتشم من الاعلى، غطاء الرأس والبرقع وشال اسود كبير، وزيها الفاضح من الاسفل ، بالسيروال القصير جدا، وسيقانها العارية، وبالوشم على افخاذها وسيقانها ، وبحذائها العالي اللماع )

 المرأة      : بين صيف حار لاهب مشتعل ( تشير الى الجزء الأسفل من جسدها ) وشتاء قارص متجمد كئيب ( تشير الى الجزء الاعلى من جسدها) توزع جسدي المسكين، وانشطرت معه روحي التي لا تكتفي بفصل واحد، ولا بهيئة واحدة .. أنا إمرأة مختلفة، هكذا أفهم نفسي، وهكذا ابرر ما أقوم به، سواء كان ذلك هو النعي والمآتم واللطم والبكاء نهارا، أو كان هو الغناء والرقص والسكر والمجون ليلا، كلاهما أنا، كلاهما يمثلني وأمثله، ففي داخلي يمتزج جليد الشتاء مع لهيب الصيف، في تشكيلة خاصة جدا، ( تتحرك الى الجهة الأخرى )  ففي النهار أمارس النعي في المآتم، بنصفي الأول، صادقة حقيقية، أبكي مع المعزيات بحرقة وبامتزاج كبير، أنشدهن أبيات النعي المؤثرة، وأشد الملطم لكي يصل الى ذروة الهياج، والصراخ واللطم والبكاء، انهك من فيه لشدة الانفعال، فالنعي أداتي التي أجيدها منذ شبابي، تعرفت اليها منذ زمن بعيد، أعرفها عن قرب وأعرف أسرارها، واجيدها كثيرا .. ( تتحرك الى الجهة الاخرى ) أما حين يجيء المساء، فأنا أمرأة أخرى، أمارس نصفي الثاني، ابدل الاسود بالألوان الصارخة، وابدل الملابس بشبه العري، وابدل البكاء والنعي الى ضحك ومجون وغناء، وابدل مكان العزاء لأقيم في الملاهي الليلية أينما وجدت، ( تتحرك ) أدخل الملهى بعد صلاة العشاء، ولا أخرج منه الا قبل صلاة الفجر، أشعل الملهى بالضحك والرقص والخمر والغناء، فيتحول كل عالمي الى أضواء ترقص، وأجساد تتعرق، ورائحة الشهوة تمتزج مع روائح تشكيلات الخمر..( ترقص مع الموسيقى  ) أمارس نصفي الآخر بجودة قد توازي، أو تتفوق على جودة نصفي الأول، فالملهى لعبتي وخبرتي وانتمائي، أعرف كيف أخوض غمار السكارى والعاهرات، وأفرز أنواع الخمر الجيد عن ذاك المغشوش، وأميز بدقة عالية بين تلك العاهرة الساخنة، وهذه الباردة، أعرف جيدا أي نوع من الموسيقى تشتهيها أجساد السكارى والعاهرات، وأي كلمات تلهبهم بقوة، فيدفعون كل ما في جيوبهم على الجسد الذي يتلوى أمامهم، وهو شبه عاري ..

( تقف الموسيقى، وتقف المرأة وهي تسند ظهرها الى العمود في وسط المسرح )

المرأة         : هكذا أنا، أبرر التقوى، وأبرر العهر، فكلاهما له اسبابه ودوافعه، وكلاهما يقومان حياتي لكي استمتع بها بقوة وبصدق، بهذه التشكيلة، أكون أنا بنصفين، وفصلين، ولونين .. هذه أنا .. ( تتبدل الاضاءة ، فتظهر أرجوحة في يسار مقدمة المسرح، تذهب المرأة لتجلس عليها ) كان أبي شخص غاية في الطهر والسكينة والهدوء، شخص رائع جدا، مبتسم دائما، لا يعاني من أي عقد نفسية، لم تكن لديه أيه مشكلة مع الاخرين، كنت أحبه جدا، أحب شخصيته، واحب نمط الشخصية التي كان يرتديها ( تتحرك ) كان يظهر أمام الجميع غاية في الهدوء والسكينة، شخص كيس ثقيل، كل شيء لديه بمقدار، الكلمات، النظرات، الحركات .. لا يوجد لديه ماهو زائد، تشعر أنه قد نظم كل شيء بدقة .. ولكنه من الداخل كان يغلي، كان صاخبا، كان مشتتا ومبعثرا بشكل لا يصدق،( تقوم من الارجوحة ) كان يأخذني الى حديقة المنزل من يدي، لنجلس فيها لوحدنا، ليتطهر من الثوب الخارجي الذي يرتديه، ويرتدي ثوبه الداخلي، ثوبه العميق والمؤثر، كان يتحدث معي طويلا، يربكني لكل ما يحدثني عنه بصراحة، كان شخصا آخر، يحب أشياء تختلف عنه، ويكره أشياء يمارسها كل يوم، يعرف من الحياة أنها لايجب أن تكون بكل هذه الجدية والكياسة والثقل، بل يجب أن يبقى المرء فيها طفلا صغيرا، يبقى ليمارس اللعب، والرقص، والاخطاء، واللامعقول من الافعال والاقوال .. أبي كان يريد أن يبقى طفلا، ليبرر كل الاخطاء بطريقة الاطفال، ويحلل كل الحكايات ويفهمها بطريقة الاطفال، كان يقول لي .. لا ينبغي للمرء أن يصبح كبيرا وبالغا، بل يجب عليه أن يحتفظ في زاوية من زوايا روحه، على ذاك الطفل الصغير المتمرد، كي ينعم بالحياة الحقيقية والصادقة .. كان يكرر القول لي دائما .. الكبار جلهم مزيفون، أما الاطفال فكلهم أصفى وأنقى من الماء الزلال ( تتحرك ) شخصية أبي الطفولية والمتمردة لم يكن يراها أحد غيري، كنت أنا الوحيدة التي أراه يرتديها، كنت أرى عينيه تشع بالفرح والحب، وروحه خفيفة تحلق مع الهواء كفراشة، وكلماته لها لحن طفولي مشرق وجميل .. كانت هذه الشخصية سرنا الصغير أنا وأبي، لم يلتقي هذه الشخصية غيري، ولم يتعرف عليها سواي .. مرير أنني فارقتها منذ زمن بعيد، مرير أنني أحاول أن أفهم الحياة بعيون أبي، لكنني أفشل، فالطفلة التي كانت تعيش بداخلي أصابها العطب، وزحفت نحوها الشيخوخة والذبول ( تتحرك ) دائما ما أدعوها كي تحضر، لكي تمنحني شعور بالطيران بحرية، وأن لا تتركني أزحف بما يثقلني من هموم الكبار ، وأحزانهم الثقيلة كالجبال على ظهري، لكنها لا ترضى أن تحضر وتنقذني،  لقد حاولت كثيرا أن أكون مثل ابي، قادرة على الاحتفاظ بروح الطفولة في داخلي، لكن ذلك لم يحدث، فالعالم الآن صار أشد وحشة وأكثر قدرة على سلب المرء لخصوصيته، فكل الاشياء التي كان يراد منها أن تجعل حياتنا سهلة ومستقيمة، كانت هي نفسها سببا رئيسيا في كسر المرايا الصافية في داخلنا، صارت هي السبب في تحويل دواخلنا من التعلق بالمشاعر والاحاسيس والشعر والجمال والفراشات والرقصات والاغنيات، لتتحول شيئا فشيئا الى كومة من الاطماع والجشع وحب المادة والسلطة والمظاهر الخادعة والصعود على حساب الاخرين واستغلالهم، فصار أن فقدنا أكبر قيمة في جودنا الانساني، كما يقول أبي .. ( تتغير الاضاءة ، فتظهر محطة انتظار في يمين المسرح .. تذهب المرأة لتجلس على المصطبة ) تركني أبي وغادر وأنا في عمر العشرين، ركب القطار الذي يأخذ الناس، الى حيث لا يعودون أبدا .. لقد راح بنفس الاتجاه الذي ذهبت فيه أمي، حين كنت في الخامسة من عمري، فصرت أشد وحدة، من جذر غضى، وحيد ويابس، في صحراء مترامية الاطراف، وحيدة ويابسة، كانت أبسط المواقف والاحداث تكسرني، تجرحني الكلمات الصغيرة والتافهة، والنظرات المقصودة وغير المقصودة .. كانت الحياة بعد عائلتي تجرجرني نحو الارتباك في كل قراراتي، وفي كل اختياراتي، وفي كل خطواتي. تميمتي التي أحفظها من كلمات ونصائح أبي لم تكن تجديني نفعا، وخاصة بعد أن سحبتني الحياة باتجاه أن أعرف كيف أعيش وسط هذا العالم ، ووسط هذه الناس ، فكل اشتراطات هذا العالم للعيش به ، واكمال المشوار ، تحتاج الى من يعرفها، ويتعامل معها بشكل صحيح، من أجل أن يكون قادرا على تمثيل دوره في الحياة بشكل مقنع للآخرين، كي يتقبلوه، وليتركوا له مكانا كافيا له وسطهم، ولا ينبذونه بعيدا فيخذل، كان يلزمني أن أتكيف مثل الحرباء، مع كل الالوان التي تعيش بالقرب مني، نعم قد تكون ألوان متعددة، ومتناقضة في كثير من الاحيان، لكنني يجب أن أجد السبل الكفيلة لبقائي متزنة في هذا العالم ( تقوم من محطة الانتظار، وتحمل معها مجموعة من الكتب، وتمشي الى وسط مقدمة المسرح ) دخلت في الجامعة لاكمال دراستي، ولكنني فصلت في المرحلة الرابعة، رغم أنني كنت متفوقة في دراستي، لكنهم فصلوني لسبب آخر، حيث وجدوني مع زميل لي في الدراسة، لوحدنا ونحن نتبادل القليل من القبل، والقليل من الاحضان الدافئة، ولأن ذلك فعل فاضح في الحرم الجامعي، فلقد فصلوني أنا، وتركوا الزميل الذكر يكمل دراسته في الجامعة دون عقوبة، فهو ذكر يمتلك سلطة كافية، تماما مثل الكثير من الاساتذة في تلك الجامعة، حيث راودوا أغلب زميلاتي عن شرفهن، مقابل درجة النجاح. موازين الشرف غريبة وغير متزنة عند هؤلاء الاشخاص، ما فعلته مخل في الشرف، وما يفعلونه شريف جدا ( تلقي بالكتب بعيدا ) لم استطع أن أكمل مشواري في الجامعة، وسط كل هذا العهر، لا أستطيع أن أحتمل أن أقول كل يوم، صباح الخير، لأساتذة بهذا القدر من الدونية والاختلال. ( تتغير الاضاءة فتظهر مغسلة للصحون، وعليها مجموعة الاطباق المختلفة .. فتتحرك المرأة وهي تتحدث .. وتلبس مئزر المطبخ، ثم تباشر بغسل الاطباق وهي تتحدث ) كان يجب علي كإمرأة ضعيفة ووحيدة، وأخاف من كلام ونظرات الناس، أن أتخذ من أحد الرجال جدارا أحتمي به، يرد علي وحشة الليل، لا أعرف كيف بدأ الامر، لكنه كان شخصا لطيفا في البداية، وكلامه رقيق وجميل، ربما أعجبني فيه طوله وهندامه وكلماته، ولم أنتبه أنه لا يمكن له أن يشبه أبي، ولكنني بصراحة كنت أبحث عن شخص يشاطرني حياتي، يشبه أبي ولو بصفاته الخارجية، كنت قليلة الخبرة في الرجال، لا أدري أنهم مثل جبال الثلج، لا ترى منها سوى القمة، أما مؤخراتهم الحقيرة والكبيرة، وأفكارهم الهجينة ونفسياتهم المعقدة والمريضة، فإنك كامرأة مسكينة وضعيفة وقليلة الخبرة، سوف تكتشفينها بعد فوات الاوان، حيث أصبحت كل الاوراق بيده، عقد الزواج ومصيرك ومستقبلك، وصرت ملكا له الى أن يموت أحدنا، لقد وقعت سريعا في هذه المصيدة، فلقد كان هذا الرجل ممثلا بارعا في أيام الحب والخطوبة، فظهر لي شخصا آخر بعد الزواج، شخص متعجرف وقاس وصاحب قلب ميت، عشت معه سنوات مؤلمة وفظيعة، قبل أن يكتشف أنني عاقر، فيطلقني ويذهب ليتزوج بامرأة أخرى. ( تخلع مئزر المطبخ، ثم تتحرك الى مقدمة وسط المسرح ) لقد هاجرت بعد ذلك من مدينتي الصغيرة، لاسكن هنا في هذه المدينة الكبيرة والصاخبة والملونة بأشكال مختلفة من الاماكن والاشخاص، لا يعرفني أحد سواي، إذن هي مساحتي الكافية للحركة بكل حرية، بلا قيود، وبلا قوانين، أستطيع أن أتحرك بالطريقة التي أحبها، وبالاتجاهات التي تعجبني ( لحظة صمت ) عند ذاك الزمان، وفي هذا المكان، قررت أن أعيش بالطريقة التي أرغب بها بشدة، قد لا تكون منطقية، أولا تكون مقبولة، لكنها الحياة التي أرغب بها، لا يزعجني هذا التناقض في ما أحب، حفنة من البكاء، وحفنة من الضحك .. أجد أنني بحاجة الى كليهما، فنصفي الذي ذاق الحزن والالم، يحتاج لأن أداويه بالكثير من البكاء واللطم، كي تخمد نيرانه المستعرة في داخلي .. ( تتحرك ) أما نصفي الآخر الذي يهوى الحياة ويحب أن يمارسها بطاقتها القصوى، بلا حدود، بلا موانع، بلا اهتمام لكلام الاخرين، فيحتاج الى أن أروي ظمأه بالكثير من الغناء والرقص والخمر والمتعة .. ( تعود لتدخل خلف العمود ) هذه الحياة، كلها، من البداية وحتى النهاية، يشوبها الغموض، هذا المجيء الذي باغتنا، لنجد ارواحنا في وسط هذا العالم، لا نعرف اسبابه، أو لا نتفق ولو لمرة واحدة على سبب محدد وواضح. الذي حصل لي، يحصل كثيرا جدا، ولكنني أكثر وضوحا وجرأة، لا أحب أن أكذب على نفسي ( تمد يدها المغطاة من الشباك ، وقدمها العارية من الباب ) أحقر ما يمكن أن نتخذه من قرار، هو أن نكذب على انفسنا، تجاه ما نحب، وتجاه ما نرغب، وتجاه ما نشعر. لنختفي طوال أعمارنا، خلف كذبة زائفة، دون أن نواجه انفسنا. ونختفي خلف جسد كاذب، نغطيه بزي لا يمثلنا، دون أن نواجه انفسنا .. ونختفي خلف تصرفات كاذبة، لا نحبها ولا ننتمي لها، دون أن نواجه انفسنا .. ونختفي خلف فكرة كاذبة ساذجة، لا ننتمي إليها إلا بدافع البقاء، أو لما يريده الآخرون منا، دون أن نواجه انفسنا ( تخرج من الباب ) لقد اكتفيت من الكذب منذ زمن بعيد، واجهت نفسي بالحقيقة كاملة واضحة، أخبرتها أنني “كايميرا”، رغبتين بجسد واحد، فكرتين بجسد واحد، عالمين في جسد واحد ( ترقص بنشوة ) فأنا الضحك والبكاء، وأنا العفة والعهر، وأنا الجنة والنار، أنا الاجابة عن كل هذه الاسئلة التي تأكلني، أنا الصراحة دون زيف أو ادعاء .. ( تتحرك نحو المقدمة ) ما عدت أنهك روحي بكثرة التصنع أمام الآخرين، ولا أجهد نفسي باتخاذ هيئة اخرى غيري، أنا صنيعة السماء والأقدار، منحتني القدرة، في تحديد ما ارغب وما أريد .. ومنحتني القدرة في الاختيار، فكيف لي أن أكون كما يرغبون ! جميع من يعرفني هنا، يعرف أنني عزاء وملهى، لست ممن يتصنعون أنهم عزاء وكلهم ملهى. كل المعزيات يعرفن أنني عاهرة في الليل، ويقبلن بعزائي. وكل العاهرات معي تعرف أنني أنوح طويلا في النهار، ويتقاسمن معي الرقص والخمر. الجميع يقبلني واضحة كما أنا، رغم غرابتي. فأنا لا أكون عاهرة في بيت العزاء، ولا أكون عفيفة في الملهى .. العهر أن تكون عاهرا في بيت العفة، والعهر أن يكون داخلك ماجن، وأنت تجيد أداء دور التقوى ..

ستار –

سامسون – تركيا - 1/7/2018