أخبار أدبية

من شعراء المعتقل توفيق زيّـاد

من شعراء المعتقل توفيق زيّـاد

552 مشاهدة

#إِنــّا هنا باقون فلتشربوا البحرا

من شعراء المعتقل توفيق زيّـاد

#بقلم _الدكتور _رياض _نعسان آغا

الجزء الأول

#منذ أن بدأت الدبابات الإسرائيلية تحاصر مقر القيادة الفلسطينية بعد أن اجتاحت رام الله صباح الجمعة 29/3/2002 لم تعرف العيون النوم، فكل عربي يشعر أنه محاصر، و غصة إحساس بالمهانة تحشرج في حلقه، ولا يجد جواباً لسؤال مظفر النواب  ( هل عرب أنتم؟) وقد بدأت اسرائيل  تنفيذ حكم الإعدام الجماعي وكسر العظم للشعب الفلسطيني على الملأ العربي والإسلامي على شاشات التلفزيون، ليس لأنها بلد ديقراطي يسمح بحرية الإعلام كما تدعي، فالبلدان التي تحترم أدنى حقوق الإنسان لاتقوم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية على هذا النحو الذي لا تعرف البشرية في تاريخها المديد أشد منه قسوة ووحشية، ولكنها تريد أن تتحدى كل العرب والمسلمين بل العالم  كله، وقد أمعنت بالتحدي حين بدأت هجومها قبل أن ينفض مؤتمر القمة في بيروت، لتكون حرب الإبادة رداً عملياً على مبادرة السلام العربية.

* ولست أدري ماذا سأختار من طيوب الذاكرة حديثاً لهذا الأسبوع الذي بدأته الجمعة الحزينة بتعرية العجز العربي والإسلامي، ولم يكن في الأعماق غير هدير قصيدة توفيق زياد :

    ( هنا باقون ..

             كأننا عشرون مستحيلْ

             في الـلّـدّ والرّملة والجليلْ

             هنا على صدوركمْ

             باقون كالجدارْ

             وفي حلوقكمْ

             كقطعة الزجاج

             كالصّـبارْ

             وفي عيونكم زوبعة من نارْ )

    *  كان الشاعر الفلسطيني الكبير، الصديق يوسف الخطيب قد أصدر في مطلع الستينيات ديوان الوطن المحتل، ليقدم للعرب صوت إخوانهم الذين بقوا في فلسطين، وانقطعت أخبارهم بعد عام ثمانية وأربعين ..

وكان الصديق الإذاعي المرحوم منير الأحمد ( وهو ابن الشاعر الضخم بدوي الجبل )، يرنم بصوته الرخيم أشعار الوطن المحتل كل صباح في إذاعة دمشق، في برنامجه الشهير " مرحبا يا صباح " وكان يُبث قبيل السابعة، فأضطر إلى حمل راديو " ترانسيستور " كيلا يفوتني سماع قصائد محمود درويش وتوفيق زيـّاد وسالم جبران، وأنا في طريقي الصباحي إلى المدرسة، وكنت قد بدأت عملي معلماً في ذاك العام 1966 ..

 كانت قصائد محمود درويش وتوفيق زيـّاد تفاجئنا بأن في داخل الكيان الإسرائيلي – كما كنا نسميه آنذاك – عرباً فلسطينيين، ما يزالون أحياء يتمسكون بالتراب، ويقاومون الغزاة المحتلين، ويتحدونهم، ويصرون على أنهم  فلسطينيون ..

 وأحسب أن كل أبناء جيلي تغنوا مع الشاعر الشاب محمود درويش بتلك ( الفلسطينية العينين والشفتين والوشم ) وقال كلٌ لحبيبته :       ( عيونك شوكة في القلب)..

 ولقد حفظت من كثرة التكرار يومذاك، قصائد عديدة من شعر                       ( المعتقل ) وكنت أتوقف عند وصف توفيق زياد لنكسة الخامس من حزيران بقوله :

     ( إنها للخلف كانت خطوة ..

          من أجل عشرٍ للأمام )..

فيخرجني هذا التفاؤل من يأسي، وكان انطلاق الثورة الفلسطينية قبل عامين من النكسة قد أيقظ الأمل في نفوس الجيل، وأطلقته ( معركة الكرامة ) بعد عام من النكسة، ولم يكن ثمة غير ( خيار المقاومة ) وقد جسدته حرب تشرين ( أكتوبر 1973) في انتصار قلب موازين السياسة في العالم كله .. ونبـّه أنصار إسرائيل إلى خطورة أن ينـتصر العرب مرة ثانية .. كانت قصيدة توفيق زياد ترافق الوجدان :

 ( إِ نــّا هنا باقون ،

 فلتشربوا   البحرا ،

 إذا عطشنا نعصر الصخرا ،

 ونأكل التراب إن جعنا ،

ولا نرحلْ ،

 وبالدم   الزّ كيِّ لا نبخلُ ، لا نبخلْ ،

 هنا لنا ماضٍ وحاضرٍ ومستقبلْ ) ..