مواضيع للحوار

مسرحة الضحك وفانتازيا الروح في مسرحية  المهرج والشيطان

مسرحة الضحك وفانتازيا الروح في مسرحية المهرج والشيطان

773 مشاهدة

مسرحة الضحك وفانتازيا الروح في مسرحية  المهرج والشيطان

#للكاتب ­المسرحي _عمار _نعمة _جابر

#بقلم _الدكتورة  _زينب _لوت _الجزائر

#المصدر موقع الفرجة

توطئة:

 

يعكس المهرج في حياتنا مشاهد التّسلية والمرح وطاقة الضحك، الاشتغال على معنى الشَّيطان يُمثل قلق الوجود وإثارة النوازع النفسية السلبية كما يفسرها (فرويد) في كتابه ((إبليس في التحليل النفسي) بالرغبات الشريرة النابعة من الدوافع مضمرة، كما أسس أبو العلاء المعري (رسالة الغفران) يصور فيها الشيطان وهو يغري الشعراء "ليوقعهم  في المعاصي التي صورها فنياً: “ما اسمك أيها الشَّيخ؟

 فيقول :أنا الخيتعور أحد بني الشَّيصبان، ولسنا من ولد إبليس، ولكننا من الجن كانوا يسكنون الأرض قبل ولد آدم صلى عليه وسلم”(أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، عائشة عبد  الرحمان، دار المعارف، مصر، ط/9 ،1990 ص.291) بين آدمية الانسان وتغلغل الشيطان كالعامل السيكولوجي للشعراء في حصن العالم الآخر الذي صوره المعري، كما تمثلها روايات غربية مثل (إكسير الشيطان)les élixirs du diable  للكاتب  الألماني إرنست هوفمان (1776-1822)Ernst Theodor Wilhelm Hoffmann،والكاتب الفرنسي  جاك كازوتJacques Cazoutte(1719-1792  رواية  (الشيطان العاشق) Le diable amoureux   تكشف العالم الغيبي الآخر وصور السحر، أما  رواية (سمارا أو شياطين الليل) smarra ou les demons  de la nuit   للمؤلف الفرنسي شارل نودييه Charles Nodier(  1780-1844) تأثث عالم الليل المنشطر في جوف الأحلام الحياة الموازية للنهار والعواطف المنزوية والمختلفة بين السرور والحزن و الذعر والفرح تتساوى مع منطق الوجود عند البشرية بين حالة اليقظة والنوم، كذلك رواية (الشيطانيون) Les Diaboliques باربىدورفيلى(1821-1880)  Jules Barbey d’Aurvilly تهيمن على الروح الشريرة والمتوقعة من وجود هذه الفانتازيا تحملها شرور الاغواء والاهواء التي يزينها الشيطان.

مسرحية المهرج الشيطان:

تؤكد العلاقة بين الشيطان والمهرج حالة استثناء بين الضحك والاغراء أو الاغواء، تَرفُعٌ نحو التَّشكيل الشُّعوري للتَّضحية الّتي وضعها الكاتبُ (عمار نعمة جابر) في شخصية المُهرج المحملة بالخطابات الضمنية تحمل مزايا الفرح والابتهاج والأمل للحصول على ابنة صاحب القصر(سليمة) لتنفلت الأشياء بعد علم ( السيد) واعتراضه للموضوع رغم ابتهاجه واستئناسه بوجوده كمصدر للضحك و التَّسلية سرعان ما تحولت هذه الحاجة إلى أزمة تحول وامتثال حين يٌطرد “المهرج: ( يتحرك خلف السيد ) نعم يا مولاي .. اعرف ..

السيد: سليمة ابنتي الوحيدة .. وانت لست سوى قرقوز تافه .. لا تسوى شيئا في سوقي ..

المهرج: ( يتحرك بحركة دائرية ) لكني انسان واملك قلب .. واملك لسان .. انظر .. ( يخرج لسانه )” ( مسرحية المهرج والشيطان)، ويستأنف حياة جديدة مع شخصية (موظف الطلبات) حيث يعرض عليه أخذ روحه مقابل المال والمكانة، لكن المهرج فقد المرأة التي حلم بالزواج بها وانُتُزع السرور من حياته والأمل والحيوية والحركة والتوق للضاحكين فيركُنُ اليأسُ في ضلوعه وأفكاره ليفقد بهجة الألوان المتفرعة بين تفاصيل وجهه، لذلك يرفضُ العرض لأن المال لن يعوض ما فقده.

حركة الروح وحرية تأبين الجسد (المهرج والشيطان):

يمثلُ الكاتب (عمار نعمة جابر) شخصية المهرج لغةً تداولية  بامتثال الصوت الإنساني الحالم بين بروج الحياة، لا يملكُ الفرحُ موقعا استراتيجياً بين الوجوه حيث تتوزع البهجة وصانعها، تجويف التشكيل الذهني للمتلقي حيث يضع المؤلف الانسان القابع خلف القناع والروح التي تقوم بتأبين الجسد الذي يفقد خصوصيته ودلالة وجوده حين يفقد ذاته وهو يجادلُ الواقعية التي تهمشُ وضعية وجوده ”و الشخصية تستطيع ان تتكلم حين تنفرد بنفسها على المسرح بما نُسميه الآن بالحدث الداخلي” (رشاد رشدي، فن كتابة المسرح، الهيئة المصرية العامة للكتاب،ص.57) الحدث الداخلي هو الحقيقة الاي اصدم توقعات المهرج أشياء كانت أمامه تتحرك في فضاء البهجة تحولت لشخصيات تقتنصُ جوهره الخام، وتعمل في حالة تعويض يتدخلُ فيها الشيطان عبر المشهد الثاني ”المهرج  : ( يفلت الموظف يد المهرج فيترنح ساقطا ) ولكن لو بعتك روحي .. سأخلد في الظلمة ..

 

موظف الطلبات : ( يقف متسلطا عليه ) حدق في عمرك .. بوجهٍ مصبوغ .. هل يسوى شيئا ؟”( المشهد الثاني/مسرحية المهرج والشيطان) يثمن الخطاب عدو مواقف مُعقِمة لفعل الاستيهام الحواري بين فرضية سلطة العقل وماهية الروح، لكن المؤلف يحدد قيمة جمالية تفوق القيمة الفنية التي يؤديها المهرج في عرض التسلية والضحك هي ما وراء هذا الحجاب الصبغي الذي يلبسه الوجه وهو لا يحقق ذاته ولا يملك مكانة حين يكشف هذه الذات” فالمخرج المسرحي يمتلك من الأدوات الكثيرة، كما يمتلك القدرة على تفعيل هذه الأدوات بحيث يطوعها لمجريات إبداعه، ويمكن له أن يفعل أحداها على الأخرة بوتائر متصاعدة، فعناصر العرض كما هو مدرك سابقا (مؤدي، وضوء، ولون ، ومنظر،  وموسيقى، ومؤثرات) ولكن واحد منها اتساع غريب لا يتوقف عند حد، فكل عنصر يتحمل قدرا كبيرا من التثويرات تستدعي قيام الجمالية، فكيف لو وظفت بعضها بالبعض الـأخر كما هو الحال في السمفونية ” (حسين التكمه جي، علم الجمال المسرحي، دار الكتب والوثائق، بغداد،  ط/1، 2016 ص.118) في مقايضة روح الفكاهة بمنأى الظلمة لكن المهرج تسلية الجمهور في النور وهو المساحة الجمالية بين الفن والروح.

فانتازيا الضحك وسقوط أقنعة السلطوية:

الضحك عند المؤلف تركيب لمعنى الحرية والتَّحرر الفكري للمُهرج الّذي تمدد في رؤيته للحياة وبساطة قدرته على انشاء تصوراته كالحلم البريء بالزواج من ابنة سيد القصر لأنها ترمي عليه منديلها المعطر، كلما شاهدت عروضه، لم يكن السرور في حواره إلا تمثيلٌ لمواقف عاطفية تنفطرُ وجعاً وأرقاً أمام أمل يكتنفُ تواجده “المهرج: ( يلتفت الى الحاجب ) ابنة سيد هذا القصر .. أعرف ذلك .. ( يتحرك بحركة دائرية ) ولكن أريد لروحي أن تغفو يا حاجب .. فما عادت هذي عيوني تعرف طعما للنوم .. ولا أتلذذ بزاد يأكل .. ولا بطعم شراب يروي .. سأموت اذا لم أخطبها .. ( ينزل على ركبتيه ) أتزوجها .. احلق معها في دنيا الحب .. ( يستلقي على الارض )”(مسرحية المهرج والشيطان)، وهنا يتركز واقع التهريج إلى فانتازيا  الوهم الّذي يَفرضُ العالم الجدلي، يتداخل مع الايهام بمنح الروح مقابل الوان الفرح، و انهيار الأقنعة بين الهيولة والمادة كيف ما يثيرها الفلاسفة تنطوي الروح الحاملة للسمو والجسد المعبر عن هذه النفس القابعة في ماهيات الكون الخالص، الذي يختمر في ذهن المهرج “المهرج: (يتحرك مع الموسيقى بحركات جميلة ) عدت الى ذاتي وكياني ..الحاجب: وخسرت سليمة  ؟!!

المهرج: عدت لأكسب قلب سليمة .. وضحكات الجمهور .. اخرج يا حاجب من عمري .. وانت يا موظف الطلبات السريعة .. ابحث لك عن مهرج آخر يبيعك روحه .. وضحكاته .. وحب سليمة .. ويضحكك في وسط الظلمة ..”( المشهد الثالث/مسرحية المهرج والشيطان) أين تنتهي المقايضة بين الأنا والخلود والمكسب المادي أمام القيمي قيمة الذات حققت سلطتها حين تخلى المهرج عن الرابط الذي كان يجمعه بالآخرين، حين طلب منه (موظف الطلبات) التوقيع بدمه لمنحه “ إذا كان الإنسان هو الموضوع الأساسي للفن، فإن تطور الانسان وتطور علاقاته الاجتماعية بمثابة الدم الذي يجري في عروق الفن، وإذا كان البدائي ينظر إلى أدواته أنها امتداد لعقله وجسمه، وأن أعماله الفنية ليست إلا جزء من حياة القنص والصيد، وطقوسه للسيطرة على الطبيعة”( رمضان الصباغ، الفن و القيم الفنية بين المثالية والمادية، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، مصر، ط/1، 2001م، ص.23) من هذا المفهوم النابع من الانسان البدائي لبدائية العقل تنتجُ المُهمش والمهم في حياة المهرج حيث يتخلى عن الفن وبذلك يتخلى على الطبيعة المتمثلة في البشر الذين ينتظرون التّسلية ويترك الحياة المترفة كونه يملك قيما إنسانية تمكنه من تحقيق الغايات، فانتازيا الضحك يصبح وهماً في علاقته النصية بالمشهد كأن قناع الصبغة عمل فني لم يعد يجدي أمام الثروة وبيع الروح،  ينثالُ المشهد مع حكاية (فاوست)Faust ومقايضته للشيطان لكن الاختلاف أنه هو من يستحضره لكن المهرج ينقبضُ بين اغراءات (موظف الطلبات) يحاولُ التفكير بين رغبة الوصول للأشياء بأكملها بانتزاع الروح، لكنه تخلى عن أمرين الجمهور الذي ينتظر فرجة صنعتها الصبغة الملونة( الظاهر) كما تنازل عن المكانة وحصوله على (سليمة) ذلك الشعور (الباطن) ولأن القناعة بالوجود هي سقوط أقنعة سلطته الفنية التي ترفض ترفيه الناس في الظلمة وسلطوية المادة أمام الروح وهي علاقة الانسان بإنسانيته.